كعادته كان يستلقي ممسكا عناوين جرائده الإعتيادية .Le soir . liberté ..el watan..و في أحايين أخرى يختار أحد الكتب التي إشتراها من مكتبة الإجتهاد بشارع شاراص ، مكتبة الإشتراكيين وأصحاب الشوارب الستالينية الطويلة ، المكان الذي كان يلاقيه بأصحاب الشالات الحمراء الملفوفة على العنق ، اولئك الذين آمنوا بالاشتراكية البومدينية على الشاكلة الناصرية و الصدّامية ، اصدقاء الميناء جلهم من طبقة كادحة تعيش على رغيف الحياة البسيطة ، صيف 1998 لم يكن قد مر شهرين على تقاعده كان يختار لنفسه الجلوس أمام التلفاز وحيدا يقرأ و يتصفّح ، يرتب الحياة الجديدة بعد 32 سنة من العمل الشاق في ميناء الجزائر ..
أردت أن أقلده في كيفية القراءة ، أصابتني عدوة التصفح وزيارة المكتبات و أرشفة العناوين بسبب جلوسي معه رافقته مرارا إلى تلك الأماكن التي يصنع فيها الإنسان ثروته الثقافية ، اصبحت أقلده في كل جزئياته ..أطالع ما يطالع ..أشتري الصحف التي كان هو يقتنيها يوميا ..للعلم ، أبي لم يكن صاحب ماجستير أو دكتوراه او مستوى جامعي الا انه كان قارئ بنهم..قارئ متفاني و متلائم مع مصادره بجدية و حب عميق لما يمسكه بين يديه , كان يروي لي يوميا الحوادث إما شارحا أومحللا ببساطته الكلامية أو بصراخه الجميل حينما أعانده في مواضيع السياسة ..
مرّت الأيام و اصيب أبي بالمرض اللعين ليفسد عليه روتينه الثقافي ، قاوم المرض بالقراءة كان يسخّر وقته اما جالسا على اريكة و بين يديه صحف فرنكوفونية او مطلعا على كتب بعناوين لسير ذاتية كمذكرات فرحات عباس و كتاب للصحفي محمد بن تشيكو عن زنزانة السجن ، مذكرات مصالي الحاج ، عدة عناوين لكتب ملئ بها ايامه الأخيرة في الحياة و كانت بذلك خير انيس و جليس له دون منازع .