العالم اليوم

الكونغرس يحذّر من  العنف الصهيوني في الضفة

 

المفارقة اللافتة في الآونة الأخيرة أن الكونغرس الذي كان تاريخياً يلعب دور المحامي والحامي للكيان الصهيوني في واشنطن، مهما بلغت انتهاكاتها، انتقل قسم وازن من الديمقراطيين فيه إلى الموقع المعترض، ومع تلويحه ولأول مرة بورقة المساعدات إذا واصلت حكومة بنيامين نتنياهو العمل بسياساتها وتوجهاتها الداخلية منها والفلسطينية.

الجديد في هذا الخطاب غير الاعتيادي – ولو أن ترجمته مستبعدة في المدى المنظور – أنه كسر المألوف سواء لناحية حجم المعترضين أو لجهة ملامسته لموضوع كان من المحرمات في الماضي. حتى من كان يميل ضمنا من النواب أو الشيوخ إلى طرحه، كان يفضل السكوت خوفاً من الثمن الانتخابي.

السيناتور الديمقراطي كريس مورفي كان، أمس الخميس، من أكثر المشرعين وضوحا في تناول هذا الموضوع، إذ دعا إلى ربط المساعدات للكيان الصهيوني بشروط تكون بمثابة “رسالة” إلى حكومة نتنياهو: “إذا كان المطلوب مواصلة مساعداتنا فإنه يترتب عليها العمل لتحقيق حل الدولتين”، كما قال، وحذّر من أن  “تقويض هذه الصيغة من شأنه إلحاق الأذى بعلاقات الولايات المتحدة مع للكيان الصهيوني”، وفي إشارته إلى “تقويض للعلاقات بين مواطنيها”، عرج على موضوع الاستيطان ليعرب عن “القلق من توسعه وشرعنة البؤر المخالفة للقانون” في الضفة، مطالبا إدارة بايدن “بالمزيد من التشدد مع حكومة نتنياهو”.

مثل هذا الكلام الواضح لم يسبقه عليه إلا السيناتور “اليساري” بيرني ساندرز، الذي كان قد دعا إلى وضع شروط أشد على المساعدات. وفي الاتجاه نفسه، بعث قبل أيام 90 من النواب الديمقراطيين كتابا إلى الرئيس بايدن لحثه على “استخدام كافة الأدوات الدبلوماسية المتاحة لمنع للكيان الصهيوني من تقويض إمكانية الدولتين ومن التمادي في ضرب المؤسسات”.

ساهمت في هذا التطور عدة عوامل، أهمها أن هناك تغييرا ملحوظا في مزاج الناخب الديمقراطي، وإلى حد ما الناخب المستقل، باتجاه “التعاطف” مع الشعب الفلسطيني. 49 بالمائة حسب استطلاع “غالوب” صاروا في هذه الخانة، خصوصا بعد موجة العنف الدموي التي أطلقتها حكومة نتنياهو. العامل الثاني يتمثل بتركيبة حكومة المتطرفين وشعاراتها وسياساتها وخاصة عملية “الإصلاح القضائي” التي أثارت الشق الأكبر من اليهود الأميركيين ضدها. فمثل هذا التحول في للكيان الصهيوني ينعكس سلبا على النشاط الدعائي اليهودي لمصلحة هذه الأخيرة في الساحة الأميركية؛ فأكثر ما يقلق ويحرج واشنطن ومعظم اليهود الأميركيين أن الأزمة الحالية داخل البيت الصهيوني أسقطت القناع لتكشف عن أن “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط، كما دأبوا على تصنيفها، تنحدر على نحو مفضوح باتجاه “الفاشية”، وربما بدون رجعة ومن غير استبعاد انزلاق الوضع إلى نوع من “المواجهة الأهلية”، كما يحذر الصهيوني إسحاق هرتسوغ.

ومع أنها خطوات ناعمة لا تلامس العصب مقارنة بخطورة ما تقوم به الحكومة الصهيونية حالياً، فإنها تبقى أشد من رد الإدارة التي لم تبارح لغة المداراة والغمز الخجول تجاه الكيان الصهيوني. خلال زيارته الأخيرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، نُسب إلى وزير الدفاع لويد أوستن أنه لفت إلى “أهمية استقلالية القضاء… والحاجة إلى خفض العنف في الضفة”. وبرغم رخاوة إشارته، فقد سارع إلى التأكيد على أن الإدارة “ليست في صدد خفض التزاماتها تجاه أمن الكيان الصهيوني”. طمأنة ثبت أن من شأنها تفريغ أي اعتراض من مضمونه، مع أن هناك سوابق لجأ فيها بعض الرؤساء، مثل فورد، إلى هز عصا المساعدات صراحة ونجحوا في حمل المحتل على التزحزح.

لكن إدارة بايدن، برغم استيائها وانزعاجها من حكومة نتنياهو وعصيانها، فإنها لم تصل بعد إلى حدود التلويح على الأقل بما يدعو إليه فريق متزايد في الكونغرس، لم يعد يقتصر على المحسوبين على “اليسار” في الحزب الديمقراطي. مشكلة الرئيس بايدن على ما يبدو أنه يخلط الشخصي بالسياسي في التعامل مع المحتل الصهيوني. وبذلك تضيع الحدود بحيث لا يستقيم القرار.

إظهار المزيد

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى