الرحّالة الرقميون: شباب أحدثوا ثورة في الترويج للوجهات السياحية في الجزائر

يُعرّفون بالمقومات الطبيعية والموروث المحلي عبر الفضاء الأزرق

 

على قدر ما أصبحت صناعة المحتوى  تشكّل مصدر دخل للعديد من الشباب الجزائريين الذين يبتغون المغامرة والبحث عن الشهرة والمال عن طريق الفضاء الأزرق، بقدر ما كان الاشتغال على المحتوى السياحي بالذات من بين أهم الآليات التي عملت على الترويج للسياحة في الجزائر في السنوات الأخيرة، بفضل المحتويات المقدمة من قبل هؤلاء واحترافية عملهم وجدتهم ووعيهم بأهمية هذا الجانب.

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية، لعب صناع المحتوى دوراً بارزاً في تشكيل التوجهات الفكرية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. يُعد مفهوم “الإنفلونسرز” اليوم قادراً على تحقيق تأثير يفوق قدرات وامكانيات المؤسسات التقليدية، حتى في قطاع السياحة الذي يعاني من التهميش على الرغم من الثروات الطبيعية الكبيرة التي تتمتع بها الجزائر. في السنوات الأخيرة، اتخذ “رحّالة رقميون” طريقاً جديداً لتعزيز جاذبية السياحة في البلاد من خلال استغلال قدرات المنصات التفاعلية. بفضل الآلاف من الصور والفيديوهات والهاشتاغات والستوريات، نجح هؤلاء النشطاء الرقميين في خلق محتوى رقمي يبرز جمال وتنوع وجهة السياحية الجزائرية والتراث الثقافي المحلي، مما جعل صناعة المحتوى تصبح جزءاً أساسياً من استراتيجيات الرقمنة ووسائل الاتصال الحديثة، وبالتالي تحفيز القطاع السياحي في بلادنا.

أخذ عدد من المؤثرين في الجزائر على عاتقهم مسؤولية الترويج للسياحة بمفهوم ووسائل جديدة، حيث يسوقون لصورة الجزائر سياحيا من خلال كاميرات هواتفهم وعبر “فيديوهات” و”ستوريهات” وأحيانا “الهاشتاغ” للوصول لأكبر تعبئة ممكنة، في محاولة منهم لخلق وجهات سياحية جديدة لاستكشافها سواء للجزائريين أو للسياح الأجانب الذين لازالت السياحة في الجزائر غائبة عن أجندتهم.

ويقدم المؤثرين عبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي صورة تتماشى ولغة العصر الرقمي والملتيميديا الجديدة، كما يضعون مزيدا من الخيارات والفرص أمام السياح لاختيار الوجهات والأسعار بما يتوافق وميزانيتهم أو أجندتهم، بل وأصبح اليوم ملاك فضاءات الترفيه العمومية والخاصة يتسابقون على هذا النوع من الخدمات للترويج لعروضهم، والاستفادة من كافة الخدمات والمعلومات عن الأماكن السياحية المتاحة، بطموح توسيع وزيادة عدد المتعاملين معهم.

ويراهن صناع المحتوى على كون أن الجزائر دولة ذات وجهة سياحية مثلى سواء للراغبين في السياحة من قاطني الجزائر من أجانب أو مواطنين جزائريين أو الزوار الأجانب بفضل موقعها الاستراتيجي وتنوعها الثقافي، واستقرارها السياسي والاقتصادي، وفعالياتها المتنوعة على مدار العام وبشكل خاص على مستوى المدن الكبرى، وأهم عامل هو الخيارات الواسعة للإقامة التي تلائم مختلف الميزانيات.

في السابق كان السائح هو من يبحث ويختار الوجهات التي يسافر إليها لقضاء عطلته أو لاستكشاف الثقافات أو الأماكن والمدن، لكن بفضل الرقمنة ووسائل الاتصال الحديثة وصناعة المحتوى، أصبحت السياحة والوجهة الجزائرية سهلة الوصول وفي متناول الجزائريين والأجانب فآلاف الفيديوهات والصور و”الستوريات” التي تتداول بين الحين والآخر عن مواقع سياحية وأخرى أثرية في الجزائر والمناظر الخلابة لمناطق لم يسلط عليها الضوء سابقا، جعل الجزائريين يتعرفون على بلدهم من جديد ويستكشفونها بعيون المؤثرين، كما استطاعت مزايا المنصات التفاعلية والسوشيال ميديا أن تقدم الصورة كاملة عن المقومات السياحية التي تزخر بها بلادنا وهو ما مثل عامل مهم وصنع الفارق في تنشيط الجذب السياحي بين أوساط المستخدمين في الفضاء الافتراضي. كما أن عمل المؤثرين كأسلوب تسوقي جديد شجع على السياحة المحلية وساهم في نشر ثقافة السياحة بين الجزائريين.

ومن بين أكثر “الانفلونسرز” في مجال السياحة شهرة في الجزائر نجد خبيب أو كما يطلق على نفسه “خوباي” وأيضا محمد جمال و”الدقس” وآخرون استطاعوا أن يروجوا للسياحة الداخلية والوجهة المحلية بأبسط الإمكانيات من خلال صور وفيديوهات تعرّف بالتنوع السياحي بالجزائر وتستهدف “جيش” من المعجبين بات يملكه هؤلاء المؤثرون، الذين يحاولون من خلال الرحلات التي يقومون بها التشجيع على السياحة الداخلية وتحسين صورة الجزائر في الخارج وتفعيل الجذب السياحي الرقمي.

ولا يكتفي المؤثرون بالترويح “نظريا” للسياحة في الجزائر وإنما يقدمون حلولا مبتكرة لكيفية برمجة عطل طويلة وقصيرة المدى لوجهات سياحية مختلفة، كما ينصحون متابعيهم بكيفية القيام بالرحلات السياحية بأبسط التكاليف ويضعون لهم مختلف الخيارات فيما يتعلق بالهياكل السياحية المتاحة وأماكن التسلية والمطاعم ومقدمي الخدمات عبر المناطق التي قد تكون وجهتهم السياحية المقبلة، ويقرب المؤثرون  السياحة ويبسطونها بحيث تصبح في متناول الجميع  عكس الوكالات السياحية التي تستهدف من خلال برامجها السياحية فئات معينة دون أخرى ،فهم يقدمون خيارات سياحية حتى لمن لا يملك ميزانية مرتفعة، وهو ما جعل الشباب يلتفون حول هذا المحتوي الرقمي ويقتدون بممارسة “الإنفلونسرز” للسياحة دون قيود ودون مصاريف مرهقة أو مكلفة بل في بعض الأحيان قد تكلفهم وجهة سياحية ما إمكانيات بسيطة وفي متناول الجميع.

الشيء الإيجابي أيضا في صناعة المحتوى الرقمي السياحي في الجزائر أن “الرحالة الرقميون” وفي أغلب الفيديوهات المصورة التي توثق مغامراتهم ورحلاتهم السياحية، يدعون للاهتمام بالطبيعة وحماية البيئة ونظافة المحيط وهو ما يمثل رسالة مواطنة مهمة توازي عملهم في الترويج للسياحة الداخلية.

وقد ألهم محتوى المؤثرين الجزائريين ومدى الشهرة التي وصلوا إليها من خلال إبراز التنوع السياحي والثقافي للجزائر العديد من المؤثرين العرب والأجانب حيث بات هؤلاء يتسابقون اليوم على “الترويج للسياحة الداخلية الجزائرية” والاستثمار “رقميا” في الجزائر، وهو ما يخدم قطاع السياحة على العموم، والاقتصاد الوطني وتنشيط مختلف القطاعات الأخرى المرتبطة بها من جهة ثانية.

على صعيد آخر لا يقتصر جهود إنعاش السياحة في الجزائر وتفعيل الجذب للوجهة الداخلية على هذه الآليات فقط بل أدخلت الرقمنة في القطاع بشكل لافت في الآونة الأخيرة بهدف الوصول لعدد من السيّاح الذين يتوافدون على الجزائر يتماشى والمقومات التي تتوفر عليها بلادنا، وقد أنشأت في هذا السياق مئات التطبيقات من طرف هيئات عمومية وأخرى من طرف خواص كمؤسسات وكأفراد تعمل هذه المنصات الرقمية على التعريف بالمقومات السياحية وأماكن الجذب السياحي وأيضا تسهيل مهمة السائح في اختيار الوجهات المفضلة لديه، وكذا حجز تذاكر الطيران والفنادق، اختيار أفضل المطاعم والمواقع السياحية من خلال التقييمات التي توفرها هذه التطبيقات لهذه الشريحة، ومن هذه التطبيقات نجد تطبيقSafarWay”  ” وتطبيق “مرشد الجزائر” وسياحة دي زاد” وأيضا “نباتو” وتطبيق “Tourism Algeria” إذ توفر هذه التطبيقات مزايا عديدة لمستعمليها بداية بمساعدة السائحين على اختيار وجهتهم واقتصاد الوقت والجهد إضافة إلى مشاركة تجارب السفر مع المستخدمين وحتى التجارب والآراء والتقييمات فيما يتعلق بالخدمات السياحية.

كما تعمل تطبيقات أخرى عمل المرشدين السياحيين أين تقدم تفاصيل مختلف المناطق السياحية في الجزائر، تاريخها، موقعها، وسبل الوصول إليها، وإلى جانب تعريفها بمختلف المناطق السياحية هناك تطبيقات تعمل على نشر ومشاركة مختلف الفعاليات والنشاطات السياحية، على مدار السنة، وعلى العموم فإن هذه التطبيقات ومن خلال ما تقدمه من خدمات ومزايا باتت  تدعم جهود ” الإنفلونسرز” في خلق  محتوى رقمي يشجع على السياحة الداخلية حيث يعمل هؤلاء في علاقة تكاملية لتغيير الهيكل التقليدي لقطاع السياحة في الجزائر وجعله قطاع يتماشى ومتطلبات العصر التكنولوجية.

وعن هذا الموضوع يقول الناشط في القطاع السياحي عمار شوار أنه بات اليوم من الضروري أن تتكيف السياحة في الجزائر مع التحول الرقمي الذي تقبل عليه مختلف القطاعات، إذ أن هذا التحول يسمح بتنشيط القطاع السياحي بأدوات واسعة الانتشار، وهذا الأمر _يضيف المتحدث_إن تم استخدامها بالشكل المطلوب ستسمح بتحقيق تنمية مستدامة في قطاع حيوي وهام كان إلى وقت قريب مهمل ولا يقدم الأهداف المرجوة منه.

وأوضح شوار في تصريح للموقع الإخباري “عاجل نيوز” أن السنوات الأخيرة أظهرت بشكل لافت جيلا من المؤثرين الرقميين الذين يتمتعون بثقة ومصداقية كبيرة بين متابعيهم الذين يتجاوزون الآلاف خاصة في أوساط فئة الشباب الذين يعتبرون الفئة الأكثر في الجزائر، وهو ما جعلهم قطبا لأصحاب الفنادق والمطاعم والمراكز الترفيهية والخدماتية للاعتماد عليهم في الترويج لما يقدمونه من خدمات تنعش السياحة والخدمات المرافقة لها، موضحا أن مهنيي قطاع السياحة بما فيها الخواص من الأفراد وجدوا أنه يمكن الاعتماد على المؤثرين في الترويج لمنتجاتهم ومشاريعهم، بعد أن تحولت السوشيال ميديا من منصة للعلاقات الاجتماعية إلى منصة تسويقية وتجارة مربحة لجميع الأطراف.

بدوره يؤكد محمد الأمين مويسي وهو صاحب وكالة مختصة في الترويج للسياحة داخل الجزائر، أنه بات اليوم من الضروري استغلال كافة الأشكال الجديدة لتطوير القطاع السياحي وخصّ بالذكر كل الأساليب التي تطور وتحسن الخدمات السياحية، بما فيها التطبيقات الإلكترونية والمواقع المتخصص التي تعلب فيها التكنولوجيا الرقمية دورا في الجذب السياحي الذي يعد الهدف المرجو.

وأضاف المتحدث في دردشة جمعته مع الموقع الإخباري “عاجل نيوز” أن إدخال تكنولوجيا المعلومات والاتصال في السياحة، سيمكن من توفير منتجات وخدمات لم تكن مستغلة سابقا في القطاع وهو ما سيخلق آفاقا أوسع للاستثمار ليس فقط في الخدمات الفندقية أو المنتجعات أو المباني بل أيضا في الحرف التقليدية والتراثية وإعادة احياء أخرى من ثقافتنا التي اندثرت مع مرور الزمن.

على صعيد آخر قال مويسي أن تجربتهم الفتية في مجال السياحة الداخلية كانت بفضل مواكبتهم لما ينشره المؤثرون الناشطين في المجال بشكل منفرد عبر فضاءات السوشيال ميديا، حيث ولدت هذه الفكرة بعد أن كانت الوكالة تدق أبواب السياحة الخارجية، لكن متابعتهم لما يقدمه بعض المؤثرين الجزائريين عن مناطق سياحية وصفها بـ”الخلابة” دفعهم إلى الاستثمار في السياحة الداخلية بشكل خاص، ولحدّ الآن وبعد تجربة تقارب 4 سنوات استطاعت الوكالة التي يشتغل فيها من وضع موطئ قدم في مناطق وأماكن تضاهي في جمالها مناطق في عدّة دول أوروبية وغربية ما كان للجزائريين الاطلاع عليها وزيارتها لولا هؤلاء المؤثرين، وقال في الصدد أن هؤلاء سخروا مواهبهم في التصوير وروح المغامرة للترويج السياحي الجزائري، بل ويقدمونه على طبق من ذهب للوكالات والمستثمرين والسياح على حدّ سواء وبشكل مجاني، فقط يكفي تشغيل فيديوهات عبر مختلف المنصات الرقمية والسفر لهذه المناطق والتعرف عليها وعلى أهلها ومعرفة أدق التفاصيل حول آليات السفر إليها والميزانية التي يمكن أن يصرفها السائح خلال زيارته وهو انجاز كان إلى وقت قريب يتم بمقابل وحكرا على الوكالات السياحية فقط.

ويؤكد مويسي أيضا أن الجزائر شاسعة المساحة وأننا اليوم بحاجة أكثر للاستثمار في كل ما هو رقمي لإلقاء الضوء على مناطقها السياحية فصحراء الجزائر مثلا تعد من أجمل الأماكن السياحية في العالم، لكننا لا نزال في حاجة إلى إلقاء الضوء عليها وعلى أماكن أخرى من ربوع الوطن وإبرازها للآخرين، والفكرة الأنسب في الوقت الراهن هي الرهان على المؤثرين الرقميين لتحقيق هذا الهدف ولما لا استقطاب سياح أجانب من خلالهم لهذه المبادرات الرقمية، ولأجل ذلك يفكر القائمون على الوكالة طرح مبادرة في هذا الصدد في المستقبل القريب، خاصة وأن المؤثرين الرقميين يحظون اليوم بثقة ملايين المتابعين فلما لا نستغل هذا الأمر لنعرف العالم بصحراء الجزائر كوجهه سياحية واعدة ومتميزة في المنطقة.

ومما لا شك فيه أن قطاع السياحة وخلال العقود الأخيرة ظّل يعاني العديد من المعوقات رغم الإمكانيات والملايير التي صرفت والاستراتيجيات التي اعتمدت والتي حسنت من واقع الهياكل السياحية وجودتها، ليبقى العائق اليوم لتطوير القطاع هو استراتيجية إدارة هذه الموارد والهياكل وتجسيد الخطط على أرض الواقع، بدليل أن عدد السياح الأجانب الوافدون على الجزائر يبقى ضئيلا رغم بداية الصحوة الرقمية للسياحة الجزائرية، ويؤكد في هذا الصدد بلعيد عبد الرزاق، خبير في المجال السياحي وأستاذ الاقتصاد بجامعة وهران أن معطيات عديدة تغيرت في قطاع السياحة السنوات الأخيرة، حيث بات الترويج السياحي يعتمد على آليات مبتكرة سهلة الوصول للجمهور وهو ما ساهم ولو بنسبة قليلة في تجاوز السياحة الجزائرية لأزمتها خاصة خلال الجائحة الأخيرة التي عاشتها الجزائر، ونسب بلعيد الفضل في ذلك لجهود القطاع السياحي والعاملين به وأيضا مساهمة المؤثرين وصناع المحتوى الرقمي في الجزائر في تذكير الجمهور السياحي في الوجهة الجزائرية رغم الحجر الصحي وإجراءات الغلق.

وقال المتحدث أيضا أن جهود المؤثرين خلال فترة الجائحة لم تتوقف عن تفعيل الجذب السياحي ولولا ذلك لكانت السياحة في الجزائر قد عادت خطوات للوراء، ويرى أن الرقمنة وآليات الاتصال الحديثة وصناعة المحتوى الرقمي تحديدا في انعاش السياحة المحلية والمساهمة في تجاوز السياحة الجزائرية لأزمتها مشيرا أن الصورة التي يقدمها المؤثرون عن السياحة في بلدنا حسنّت من “الجذب السياحي” في حين يبقى قطاع السياحة في الجزائر يحتاج إلى أكثر من “صناعة المحتوى” فإنعاش هذا القطاع يحتاج حسب بلعيد سياسة سياحية شاملة تتماشي والامكانيات الطبيعية التي تزخر بها الجزائر، وتبسيط آليات الترويج لما هو متوفر بكبسة زر.

Exit mobile version