اليوم العالمي للكتاب.. هل ما زال للورقي مكان في عصر الشاشات؟

 

في الثالث والعشرين من أفريل من كل عام، يحتفل العالم بـ”اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف”، وهو احتفال ليس مجرد مناسبة تقليدية، بل إعلان عن قيمة الكلمة المكتوبة وأهميتها في تشكيل الوعي الإنساني.

اختارت “اليونسكو” هذا التاريخ ليتزامن مع ذكرى رحيل عمالقة الأدب العالمي أمثال شكسبير وسيرفانتس وغارثيلاسو دي لا فيغا، في إشارة واضحة إلى أن الكتابة ليست مجرد فعل فردي، بل هي جهد جماعي يشارك في بناء الذاكرة المشتركة للبشرية.

لكن هذا الاحتفال يطرح أسئلة جوهرية في عالمنا اليوم الجزائري والعربي هل ما زال الكتاب يحتفظ بمكانته وسط زحف الشاشات والمنصات الرقمية؟ وهل نقرأ بما يكفي؟ وما مدى حماية حقوق المؤلفين في ظل التحديات الاقتصادية والتقنية؟ هذه الأسئلة لا تقل أهمية عن الاحتفال نفسه، لأنها تحدد مصير الثقافة والمعرفة في مجتمعاتنا.

تشير إحصاءات عديدة إلى تراجع معدلات القراءة في العالم العربي، حيث أصبح “التصفح السريع” للمحتوى الرقمي هو السمة الغالبة، بينما تقلصت مساحة القراءة العميقة، فالكتاب الورقي لم يعد فقط وسيلة لنقل المعلومات، بل تحول إلى كائن ثقافي يحمل رمزية وجودية فهو ليس مجرد حبر على ورق، بل فضاء للتأمل وإعادة اكتشاف الذات.

لكن في ظل هيمنة المنصات الرقمية، يواجه الكتاب الورقي تحديات وجودية البعض يعتبره من تراث الماضي، بينما يؤكد آخرون أنه يحتفظ بقيمته كحاضن للهوية الثقافية وفضاء حميمي للتفاعل بين القارئ والنص، صحيح أن الوسائط الرقمية توفر سرعة الوصول إلى المعلومات، لكنها نادرا ما تمنح القارئ ذلك العمق التأملي الذي يوفره الكتاب الورقي.

ولا يكتمل الحديث عن اليوم العالمي للكتاب دون التطرق إلى حقوق المؤلف، التي تمثل إشكالية معقدة في العالم العربي. فمن ناحية، هناك حاجة ماسة لحماية حقوق المبدعين ضمانا لاستمرارية الإبداع، ومن ناحية أخرى، هناك مطلب إنساني بالوصول العادل إلى المعرفة، خاصة في مجتمعات تعاني من فجوات ثقافية واقتصادية تؤثر على المشهد الثقافي عموما.

الجزائر اليوم عليها أن تسير على خطى بعض الدول العربية التي شهدت تحركات لتحديث قوانين النشر، لكن التحديات لا تزال كبيرة، فسوق الكتاب العربي لا يتجاوز قيمته 4 ملايين دولار سنويا، وهو رقم ضئيل مقارنة بالأسواق الغربية التي تصل إيراداتها إلى مليارات الدولارات تجعل الخوض في هذا الجانب مضيعة للوقت، كما أن عدد الكتب المنشورة في العالم العربي لا يتناسب مع عدد السكان، حيث لا يتجاوز 70 ألف كتاب سنويا، بينما تصدر مصر وحدها نحو 23 ألف كتاب، تليها العراق والسعودية ولبنان.

أحد أكبر التحديات التي تواجه صناعة النشر في العالم العربي هو عدم وجود إحصاءات دقيقة ومنتظمة عن الإصدارات الجديدة، فغياب البيانات الموثوقة يعيق التخطيط السليم لتطوير القطاع، بالإضافة إلى ذلك، تفتقر المنطقة إلى فضاءات رسمية متخصصة في إدارة الحقوق الأدبية، مما يجعل من الصعب على المؤلفين تحصيل مستحقاتهم بشكل عادل ولو أن الأمر ليس ومقترنا بالجزائر التي تحاول عبر الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة حماية حق المبدعين.

ومن التحديات الأخرى التي تواجه هذه الصناعة ضعف الاستثمار في النشر إذ لا توجد سياسات كافية لدعم الناشرين والكتّاب على الأقل في الجزائر تقلصّ الأمر بشكل لافت في السنوات الأخيرة، أيضا مسألة التحول الرقمي “البطيء” فرغم انتشار المنصات الإلكترونية، لا تزال معظم الدول العربية متأخرة في تبني النشر الرقمي بما فيها الجزائر.

كذلك مسألة غياب التنسيق الإقليمي إذ لا يوجد تعاون كاف بين الدول العربية لتعزيز صناعة النشر وحماية الملكية الفكرية.

ويؤكد الفاعلين في المشهد الإبداعي الجزائري أنه ولتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال، لا بد من اتخاذ خطوات عملية، منها توحيد التشريعات العربية إذ يجب مواءمة القوانين مع المعايير العالمية لحماية الملكية الفكرية، كذلك تعزيز الوعي القانوني عبر حملات توعية للمؤلفين والناشرين حول حقوقهم وواجباتهم، والعمل على دعم النشر الرقمي بتشجيع المنصات الإلكترونية وتحديث القوانين لتشمل المحتوى الرقمي، وكذا إنشاء وكالات حقوق أدبية رسمية لإدارة حقوق المؤلفين وتوزيع العوائد بشكل عادل مع العمل على زيادة الاستثمار في الثقافة عبر منح للكتّاب ودعم دور النشر المحلية.

اليوم العالمي للكتاب ليس مجرد احتفال، بل فرصة لإعادة تقييم واقع القراءة والنشر في العالم العربي فالكتاب ليس وسيلة للمعرفة فحسب، بل أداة لبناء الوعي النقدي والهوية الثقافية وحماية حقوق المؤلفين ليست رفاهية، بل ضرورة لضمان استمرار الإبداع.

ولا يمكن تحقيق نهضة ثقافية حقيقية دون بيئة تشريعية داعمة، واستثمارات جادة في صناعة النشر، وتوعية مجتمعية بأهمية القراءة، فكما قال أحد المفكرين: “الأمم تبنى بالكتب كما تبنى بالأسلحة”، والاختيار بينهما هو ما سيحدد مصيرنا الثقافي.

* تنويه: المقال مأخوذ من صفحات التواصل الإجتماعي الرسمية للصحفية.

Exit mobile version